سورة الأحقاف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)}
{حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم} الكلام فيه كالذي تقدم في مطلع السورة السابقة.


{مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)}
{مَا خَلَقْنَا السموات والارض} بما فيهما من حيث الجزئية منهما ومن حيث الاستقرار فيهما {وَمَا بَيْنَهُمَا} من المخلوقات {إِلاَّ بالحق} استثناء مفرع من أعم المفاعيل أي إلا خلقًا ملتبسًا بالحق الذي تقتضيه الحكمة التكوينية والتشريعية، وفيه من الدلالة على وجود الصانع وصفات كماله وابتناء أفعاله على حكم بالغة وانتهائها إلى غايات جليلة ما لا يخفى، وجوز كونه مفرغًا من أعم الأحوال من فاعل {خَلَقْنَا} أو من مفعوله أي ما خلقناها في حال من الأحوال إلا حال ملابستنا بالحق أو حال ملابستها به {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} عطف على {الحق} بتقدير مضاف أي وبتقدير أجل مسمى، وقدر لأن الخلق إنما يلتبس به لا بالأجل نفسه والمراد بهذا الأجل كما قال ابن عباس يوم القيامة فإنه ينتهي إليه أمور الكل وتبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار، وقيل: مدة البقاء المقدر لكل واحد، ويؤيد الأول قوله تعالى: {والذين كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ} فإن ما أنذروه يوم القيامة وما فيه من الطامة التامة والأهوال العامة لا آخر أعمارهم. وجوز كون {مَا} مصدرية أي عن إنذارهم بذلك الوقت على إضافة المصدر إلى مفعوله الأول القائم مقام الفاعل، والجملة حالية أي ما خلقنا الخلق إلا بالحق وتقدير الأجل الذي يجازون عنده والحال أنهم غير مؤمنين به معرضون عنه غير مستعدين لحلوله.


{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)}
{قُلْ} توبيخًا لهم وتبكيتًا {أَرَءيْتُمْ} أخبروني وقرئ {أَرَأَيْتُكُم} {مَا تَدَّعُونَ} ما تعبدون {مِن دُونِ الله} من الأصنام أو جميع المعبودات الباطلة ولعله الأظهر، والموصول مفعول أول لأرأيتم وقوله تعالى: {أَرُونِىَ} تأكيد له فإنه عنى أخبروني أيضًا، وقوله تعالى: {مَاذَا خَلَقُواْ} جوز فيه أن تكون {مَا} اسم استفهام مفعولًا مقدمًا لخلقوا و{ذَا} زائدة وأن تكون {مَاذَا} اسمًا واحدًا مفعولًا مقدمًا أي أي شيء خلقوا وأن تكون اسم استفهام مبتدأ أو خبرًا مقدمًا و{ذَا} اسم موصول خبرًا أو مبتدأ مؤخرًا وجملة {خَلَقُواْ} صلة الموصول أي ما الذي خلقوه، وعلى الأولين جملة {خَلَقُواْ} مفعول ثان لأرأيتم وعلى ما بعدهما جملة {مَاذَا خَلَقُواْ} وجوز أن يكون الكلام من باب الأعمال وقد أعمل الثاني وحذف مفعول الأول واختاره أبو حيان، وقيل: يحتمل أن يكون {أَرُونِىَ} بدل اشتمال من {أَرَءيْتُمْ} وقال ابن عطية: يحتمل {أَرَءيْتُمْ} وجهين. كونها متعدية و{مَا} مفعولًا لها. وكونها منبهة لا تتعدى و{مَا} استفهامية على معنى التوبيخ، وهذا الثاني قاله الأخفش في {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة} [الكهف: 63].
وقوله تعالى: {مّنَ الارض} تفسير للمبهم في {مَاذَا خَلَقُواْ} قيل: والظاهر أن المراد من أجزاء الأرض وبقعها، وجوز أن يكون المراد ما على وجهها من حيوان وغيره بتقدير مضاف يؤدي ذلك، ويجوز أن يراد بالأرض السفليات مطلقًا ولعله أولى {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ} أي شركة مع الله سبحانه: {فِي السموات} أي في خلقها، ولعل الأولى فيها أيضًا أن تفسر بالعلويات. و{أَمْ} جوز أن تكون منقطعة وأن تكون متصلة، والمراد نفي استحقاق آلهتهم للمعبودية على أتم وجه، فقد نفى أولًا: مدخليتها في خلق شيء من أجزاء العالم السفلي حقيقة واستقلالًا، وثانيًا: مدخليتها على سبيل الشركة في خلق شيء من أجزاء العالم العلوي، ومن المعلوم أن نفي ذلك يستلزم نفي استحقاق المعبودية؛ وتخصيص الشركة في النظم الجليل بقوله سبحانه: {فِي السموات} مع أنه لا شركة فيها وفي الأرض أيضًا لأن القصد إلزامهم بما هو مسلم لهم ظاهر لكل أحد والشركة في الحوادث السفلية ليست كذلك لتملكهم وإيجادهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة.
وقيل: الأظهر أن تجعل الآية من حذف معادل {أَمْ} المتصلة لوجود دليله والتقدير الهم شرك في الأرض أم لهم شرك في السموات وهو كما ترى، وقوله تعالى: {ائتونى بكتاب} إلى آخره تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلي بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلي فهو من جملة القول أي ائتوني بكتاب الهي كائن {مّن قَبْلِ هذا} الكتاب أي القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم {أَوْ أثارة مّنْ عِلْمٍ} أي بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم العبادة، فالإثارة مصدر كالضلالة عنى البقية من قولهم: سمنت الناقة على أثارة من لحم أي بقية منه.
وقال القرطبي: هي عنى الإسناد والرواية، ومنه قول الأعشى:
إن الذي فيه تماريتما *** بين للسامع والآثِر
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن. وقتادة: المعنى أو خاصة من علم فاشتقاقها من الأثرة فكأنها قد آثر الله تعالى بها من هي عنده، وقيل: هي العلامة. وأخرج أحمد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: {أو أثارة من علم} قال: «الخط»، وروي ذلك أيضًا موقوفًا على ابن عباس، وفسر بعلم الرمل كما في حديث أبي هريرة مرفوعًا: «كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه علم» وفي رواية عن الحبر أنه قال: إن أثارة من علم خط كان يخطه العرب في الأرض، وهذا ظاهر في تقوية أمر علم الرمل وأنه شيء له وجه ويرشد إلى بعض الأمور، وفي ذلك كلام يطلب من محله. وفي البحر قيل: إن صح تفسير ابن عباس الأثارة بالخط في التراب كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم، والتنوين للتقليل و{بِهِ مِنْ عِلْمٍ} صفة أي أو ائتوني بأثارة قليلة كائنة من علم {إِن كُنتُمْ صادقين} في دعواكم فإنها لا تكاد تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أو دليل نقلي وحيث لم يقم عليها شيء منهما وقد قاما على خلافها تبين بطلانها. وقرئ {أثارة} بكسر الهمز وفسرت بالمناظرة فإنها تثير المعاني، قيل: وذلك من باب الاستعارة على تشبيه ما يبرز ويتحقق بالمناظرة بما يثور من الغبار الثائر من حركات الفرسان. وقرأ علي. وابن عباس رضي الله تعالى عنهم بخلاف عنهما. وزيد بن علي. وعكرمة. وقتادة. والحسن. والسلمي. والأعمش. وعمرو بن ميمون {أثارة} بغير ألف وهي واحدة جمعها أثر كقترة وقتر، وعلي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي. وقتادة أيضًا بإسكان الثاء وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر أي قد قنعت منكم بخبر واحد أو أثر واحد يشهد بصحة قولكم؛ وعن الكسائي ضم الهمزة وإسكان الثاء فهي اسم للمقدار كالغرفة لما يغرف باليد أي ائتوني بشيء ما يؤثر من علم، وروي عنه أيضًا أنه قرأ {أثارة} بكسر الهمزة وسكون الثاء وهي عنى الأثرة بفتحتين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8